تلك سدرة منتهاى .... عمرى ومضة فيك


Wednesday, October 8, 2008

اذا نجلاء كتبت



"1"


اغتصبته ,نعم فعلت ,فعلت كى تستبقيه على أرضها ,مزقت بكارتها بدلا من أن تمزق صدرها عليه ,لو حدث ما تخشاه و فضت بكارته أرض غيرها .فعلت ذلك فى ليلة صاحية ,نسجت من عروقها شرك للأرض الاخرى , تراهنت مع البراح عليه ايهما سيفوز به.هل هى التى تربت على عشقه و نمى لحم جسدها ممزوجا بصوته هو ,ام حلم السفر الذى راوده ,اقسمت الا تتركه يهاجر فى أرض غريبه,
- براحك فى صدرى يا بن الغبية

قالت بصوت هز مكامنها و اكملت لسرها .أرض أخرى غيرى؟!! و ماذا ربت لك ؟ أزرعت نهدين لم يكبرا إلا ليشيرا عليك, لم يمتلئا إلا برغبة قطفك , هل بشر جسد تلك ألارض بك؟ مثلما بشر جسدى اختلط بطينها تمنيك مثلما شرب طينى حلم امتلاكك .

هكذا اجتاحته بتصميم ارض تبتلع جزورالشجرة التى تظللها . أذاقته من لحمها ما لن ينساه ,
و تركته يلهث لهاث اكتشاف الجسد ,شممته بنا محروقا و قرنفلا و أبخره خفيه تخرج من مسام جلديهما المتعطر بلا شىء, سوى هوس التلامس .و لما انتصفت تلك الليله فرغا ,لم ينطق بشىء ,لكن حاله لم يكن صامتا مثله ,بل قال "ها انا ادمنت لذة الاكتشاف ".
و فى الصباح فتح أزرار قميصه للارض الغريبة و سافر دون ان يذكرشيء عن للعودة .

"2"

"والدى العزيز لا احمل هنا فى غربتى الا توفيق الله على كتفى و على كتفى الآخر دعواتك و انفاسك معى..............." .
"أمى الحبيبة لم يحن وقت الرجوع بعد فما زال أمامى الكثير قبل ان أقرر ذلك سلامى لكل من............." .
"البقية فى حياتك يا أمى ,كان عم جابر نعم الجار, ربانى مع والدى كأنى ولده ,بالمناسبه هل تزوجت نجلاء ............." .
" أبى العزيز أطال الله فى عمرك ,لا تشغل بالك على ,فمن تربى من عرق رجليك لا يخيب ابدا ,و أما موقفك مع أم نجلاء و ابنتها فجزاك الله خيرا ,النبى وصى على سابع جار ............." .

"أمى و حياة عينى ,أعرف أن الفراق طال و الاشواق زادت لا تخافى يا أمى سيجود العمر برأسى المدللة تنام على حجرك ,و أصابعك تغوص فى شعرى ..............." .
"لا اله الا الله ,أم نجلاء ,و الله كانت حنانها من حنانك مسكينة البنت الوحيدة.............." .


"أبى العزيز ,ستهبط الطائرة أرض القاهرة السادسة صباحا , و سأركب القطار فورا لاكون عندكم حوالى العاشرة سلامى لكل الاهل حتى أراكم."


" 3"

وقف القطار على رصيف الدفء ,كاد قلبه ينخلع من اللهفه ,و عيناه تلتهم كل ما حوله ,يبحث عن وجه والده فى زحام المحطة . يتذكر رائحة بلدته, ينظر لعواميد النور التى شاخت ,و الناس فى مقهى المحطة و هم يتفرسون فى الوجوه بلا هدف ,عشرون عاما و بائعة الجرائد العجوز عجوزا ,لم تزد سوى تجعيدتين فوق الجبين و انحناءة لها سنوات طريقه المنحنى ,حتى كلاب البلده كما هى بعيون دامعة و لهاث دائم ,كل شىء فى مكانه هذه السحب كانت هنا يوم رحل و الارض التى مشى عليها منقوشة بأثار أقدام ربما هى نفسها أثاره . لكن الاب ليس موجودا كما كان و كما ظن. ما الذى أقعده فى ذلك اليوم .هل أجهده الجرى وراء البطه الوليمه فنام على صوت الوابور المبحوح و الام تنادى عليه مع كل نزعة من ريش البطة السوداء , هل يأم الناس فى صلاتهم كعادته و يدعو فى سره بأن يرجع كل غريب ,و عندما علا صوت المؤذن من جامع المحطة عضه القلق .أيكون مريضا يتندى جبينه من عرق و نجلاء تجفف له عرقه؟ و تسمع تمتمات شفتيه فتمعن فى الشرود.

كان متأكدا أنها هناك فكل الخطابات بخط يدها ,و كم تخيل أمه و هى تملى عليها كلام لا يكتب , فيرخى والده الجريدة ليصحح لها كلامها . كم سأل نفسه عن تلك الليلة و تذكر كيف برر لنفسه السفربأنها هى التى روادته, هى التى قبضت على رجولته, هى التى قالت له :" فضنى" لكنه فى قلب غربته و الاكثر حتى و هو يمارس مع اخريات, ظل صوتها يشعل حواسه و يبزغ السؤال الحائر: ما الذى فعلته نجلاء؟ و لماذا ؟ و فيما كانت تفكر و هى تكتب الخطابات بيدها؟ أكانت تنتظره ؟ تنتظره !! ... لترتمى فى أحضانه أم لتقتله ؟ و ماذا كانت لتفعل لو رجع بشقراء من دوامة الغربه ؟ .لكنه فى عشرين عاما طاردته عشرين لعنة لها عيون نجلاء و صوتها الرهيب و هى تطلب منه ذبحها. توقفت أفكاره فجأة عندما وجد بيتهم مهدوما و عندما قابله رجل تاهت ملامحه فى الدهشة و اسماه الرجل " أبن المرحوم " و دعا لوالديه بالرحمة ,سأل امرأة جالسة تحلب معزتها عند البيت المقابل , فأخبرته أن البيت تهدم بعد أن مات أهله بسنتين .لم يصدق لا عينيه و لا السيدة ,هرع ناحية بيت الجيران لعل والديه انتقلا له أو لعله ..... و لكن لا هل ينسى دارهم ؟ طرق باب نجلاء ,و صوت الوابور المبحوح يراود أذنه و لهاثه يزداد مع ازدياد الباب قسوة .

فتحت عينا نجلاء الباب ,لكنهما كانتا فى وجه صبية فى عمر غيابه, شدته نظرتها الوديعة الى طفولته, الى زمن لا حساب للبهجة فيه.
بلحظه ادرك أنها خرساء و فى الاخرى أزاح الباب برفق فتركته البنت من يدها ساكنة الذكرى .ألقى نظره فى الداخل بتوجس ,تبين عصا والده معلقة على الحائط كتميمة, فأنتابه حزن مفاجىء و هناك فى الطرف الاقصى من الصالة .تجلس نجلاء على كرسى منهمكة فى شىء .ضوء مصباح الكيروسين الذى امامها ألقى ظلالاعلى الامه .لم يكن هناك أى أثر لوالدته الا شالها الذى لابد أنه انزلق عن كتف نجلاء ووقع على الارض , فى هذه اللحظة , صعد ملح الى فمه , اقترب من ظهرها البليغ فى صمته و انكساره.شعرت به نجلاء فأستدارت له وفى عينيها رماد العالم بأسره, صرخ "فين أبويا و أمى؟ وعندما ألتقى بصمتها, عرف أنه سأل سؤال العارف بالاجابه و أنه أضاف له مسحة أتهام كى يعوض ارتباكه.كأنها مسؤولة عن موتهما، سحب نظرته من مجال نظرتها و انكفأ يلم شال والدته. جال فى البيت بناظريه حتى ألتقى عين الصبية التى تقول عيونها ما عجز لسانها عنه.أصابه خوف شديد أن تكون هى أبنته .وأنسحقت روحه فى اخراللحظه .
و عندما وجد كوم خطاباته موضوعة أمام نجلاء و أنها أستدارت عنه منهمكه فى الكتابة وجدها ترد على اخر خطاباته بلسان أبيه قائلة : "القطار لم يعد يقف فى بلدتنا ".

No comments: