تلك سدرة منتهاى .... عمرى ومضة فيك


Thursday, February 7, 2013

قصة ثانية من أبهة الماء


تحت الذى فوق

 

  عندما دخلت الى المسرح كان الظلام شديدا ، والمكان خاويا ، لا احد هناك على الخشبة و المقاعد فى القاعة لا تحمل الا الهواء فوقها . فظننت انى اتيت مبكراً او ان حادثا ما ادى الى الغاء العرض ، لكنى تذكرت ان الرجل الذى ادخلنى  الى القاعة ابتسم  ابتسامة حانية واشار الى بالدخول  دون ان يلفت نظري الى شئ .

 سأنتظر قليلا ربما هى مسرحية بلا جمهور ، تحسست طريقى الى مقعد فى المنتصف والقيت بجسدي عليه ، سمعت صوت مفاصلى تأن وكأنها تذكرت عناء الطريق  فجأة   وكأنى نسيت انى مشيت كثيرا ، اخرجت ما فى صدري من هواء فى زفرة طويلة ، حينها تنبهت الى كوة أعلى خشبة المسرح تنفتح  محدثة صريرا اقشعر له بدنى لكنى هدات لما رأيت ضوء ارجوانى ناعم يتسلل من الفتحة تبينت عليه سلما خشبيا عتيق ينزل من اعلى حتى يرتكز على خشبة المسرح ، مقبضا اليد الذان على جانبي السلم حملا من النقوش الجميلة  ما أسر روحى ، قلت لنفسى لعلها حيلة جديدة وسينزل الممثلون من أعلى و بدأت اتفقد ما ظهر من الديكور على الضوء الخافت ، اسفل السلم تجمعت اكوام من الكتب القديمة موضوعة بعناية ، الى اعلى قليلا سلال من الازهار معلقة فى الهواء بخيوط غير مرئية ، جلد ثعبان افريقى معلق على الحائط وساعة لاتدور . فى الوسط تمثال لأمرأة عارية بدى حقيقيا ، عيناها تلتمع فى الظلام كقطة ، تغطى مكامنها بثمار من الفاكهة .قلت لنفسى لو يأتى أحد ويقطف ثمارها سيكتمل مشهدها  ، ماذا لو اصعد على المسرح قبل ان يأتى احد واقتربت منها ربما هى حقيقية ، تبدو حقيقية ، هى حقيقية  بالتأكيد ، طارت افكارى لما سمعت وقع خطوات تأتى من الكواليس خطوات بطيئة متثاقلة انتظرت قليلا حتى دخل رجل عجوز بدى شكله مألوفا ليس من المشاهير الذين اعرفهم لكنى مازلت اذكره عندما كان شابا.

 نظر الى المراة العارية وسار بجانبها حتى ظننته سينزع الفاكهة لكنه التقط كتابا ضخما من كومة الكتب وصعد على السلم فى هدوء بينما موسيقى ناعمة بدأت تنساب ، صعد الرجل السلم حتى ادرك فتحة الضوء ادخل رأسه فيها وصعد بضع سلمات حتى غاب نصفه فى الاعلى . أنتبهت كل حواسى فى ترقب حتى سمعت همسات صادرة من أعلى  بدى لى أنه يقرأ من الكتاب  ،  والغريب أن لصوته صدى اعلى من همساته  نفسها  أو أن صوتا فى الاعلى ردد كلماته لا أعرف بالضبط . سألت نفسى

  هل هو عامل اضاءة يلقى بتعليماته الى فريق أعلى السقف ، لو كان كذلك فانا اتيت مبكرا فعلا  لكنى استسلمت الى شغفى بانتظار ما  ستفعله المرأة عندما يبتدئ العرض

  شد انتباهى دمدمة اتية من اعلى كانها لجمهور غفير و خطر لى ان هذا الرجل ملقنا يلقن ممثلين ما فوق السقف فإنتابتنى حيرة هل يؤدون البروفة النهائية هناك

ام اننى اجلس الآن فى غرفة الملقن وفاتنى ان اجلس فى الاعلى وأرى العرض كاملا ، هو بالتأكيد ملقن يمشى بتثاقل لرتابة ما يفعله يوميا وهذا الكتاب الذى بيده مؤكد أنه نص المسرحية والا فما معنا أن يبقى هكذا يطل بنصفه الاعلى ويملى كلاما لممثلين ينسوا أدوارهم ، ولكن هل غرفة الملقن واسعة الى هذا الحد ، و مزينة بسلال  من الورد وتماثيل عارية ، هل المسرحية هنا ام فى مكان آخر.

 

 هل اصعد على الخشبة واقترب من المرأة العارية التى تثير فضولى ، لماذا اجلس أنا  هنا بينما الجمهور فى الاعلى يبكى تارة ويضحك تارة .

بالتأكيد مكانى ليس هنا ،  سأصعد واسحب كتابا واقرأ ما فيه ربما دلنى على ما يجرى  ولكن  ما هذا الغباء أأكتفى بقراءة العرض دون مشاهدته . لا سأصعد إلى الخشبة وأعتلى السلم واشد الرجل من بنطاله لأسأله عما يحيرنى.

ثم قلت لنفسى  وما بالى بكل هذه الحيرة سأرجع الى بيتى فأزهار الشرفة عطشى منذ يومين والتلفاز ظنى انى تركته مفتوحا واطفالى الذين ينتظرون الحكايا سأحكى لهم عن غرفة الملقن المزركشة وعن بنطاله القصير. أو أنام على سريرى محدقا فى السقف بلا هدف ، وما الفارق فأنا الان أحدق فى السقف بلا هدف . ولكن لا أحدق فى سقف بيتى أفضل بكثير من أن أحدق فى بنطال ملقنا.

  هممت بالرحيل واذا بالرجل ينزل على السلم فأنتظرت علّى اكلمه وعندما هبط على المسرح نظر إلى عيني مباشرة . قال كلاما ظللت أردده ، لا أدري ما الذى جعلنى افعل ربما لأنه ملقن والعادة جرت على تردديد كلماته التى يحفظها اكثر منى ، وربما لأنى اردت ان انطق هذا الكلام الذى لا اذكر اللآن منه شيئاً غير انه فى النهاية لقننى شهادتين ثم اختفى.